الجمعة، 20 يناير 2017

متى بدأت بوادر الانفصام النكد بين الدين والمعاملة؟؟؟


لست أعلم متى بدأ هـذا الشرخ الأخلاقي الخطير ،ولكن الذي أعلمه يقينًا أن الإسلام قد ربط بين العبادات والمعاملات والدين والسلوك برباط وثيق كما في قوله تعالى:
(ياأيهـاالذين آمنوا لم تقولون مالاتفعلون كبر مقتًاعند الله أن تقولوا مالاتفعلون)الصف:٢-٣والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وقوله تعالى:(أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ...)البقرة ٤٤وفي الحديث:(يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار،فتندلق أقتابه في النار ،فيدور كما يدور الحمار برحاه ،فيجتمع عليه أهـل النار فيقولون:أي فلان ماشأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهـانا عن المنكر؟قال:كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه،
وأنهـاكم عن المنكر وآتيه).ولم يمتدح الله عز وجل رسوله محمدًا-صلى الله عليه وآله إلا بصفة الخلق(وإنك لعلى خلق عظيم)ورغم أن صفاته صلى الله عليه وآله كلهـا صفات كمال إلا أن الله سبحانه مدحه بالخلق العظيم.
وقال تعالى حكاية عن شعيب عليه السلام مخاطبًا قومه:
(...وماأُريد أن أُخالفكم إلى ماأنهـاكم عنه...)هـود٨٨
ومدح إسماعيل عليه السلام بالصدق في الوعد في قوله تعالى:(واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد..)مريم٥٤لقد دخل الإسلام إلى جزر الهـند الشرقية
عن طريق الهـجرة الحضرمية إلى تلك الديار فطبقوا الإسلام في معاملتهـم وسلوكهـم فاقتنع الناس بهـذا الدين
الأخلاقي الذي جاء به محمد صلى الله عليه وآله الذي حصررسالته في تتمة الأخلاق:(إنما بعثت لأتمم مكارم
الأخلاق)إن دينًا يقوم على مكارم الأخلاق ويحدث بينه وبينهـا انفصام في سلوك وأخلاق أتباعه ثم لاتجد موقفًا
حازمًامن العلماء وقادة الفكر والمصلحين يتناسب مع هـذا الخلل المدمرإنه لأمر محيرأن يطلق الشيخ :محمد عبده
صرخته المدويةعام ١٨٨١م:(ذهـبت إلى الغرب فوجدت إسلامًا ولم أجد مسلمين).ولاتجد لهـاصدى وأثرعلى الواقع   إذ لو تنادى لهـا العلماءورجال الثقافة والفكر والمصلحون لما وصل حال الأمة إلى هـذا التردي الذي تعيشه في واقعهـا اليوم حيث أصبح الإسلام مظاهـر وشكليات لاحقيقة للإسلام فيهـا قال رسول الله صلى الله عليه وآله:(..وإن سوءالخلق ؛ليفسدالعمل كما يفسدالخل العسل).صحيح الجامع وزياداته حديث رقم١٧٤.إن هـذاالأنفصام شوه صورة الإسلام وأضر بالمسلمين،كان أحمد ديدات-رحمه الله-يجد صعوبة في التوفيق بين رسالة الإسلام الأخلاقية وواقع المسلمين حتى قال:(الإسلام لم يتخلف نحن تخلفنا عن الإسلام).إن معظم مشكلات المسلمين الفكرية والأخلاقية ناجمة عن الانفصال بين العبادات والمعاملات فالعنف والتطرف والمخدرات هـي نتائج لإنفصال الدين عن العاملة.
وإنماالأمم الأخلاق مابقيت
                            فإنهـمو ذهـبت أخلاقهم ذهـبوا
وإذا أُصيب القوم في أخلاقهـم
                                فأقم عليهـم مأتمًا وعويلا
وإذا كان العبرة في النص بعموم اللفظ لابخصوص السبب فإن واقع الأمة منذ أمد ينطبق عليه قوله تعالى:
(أولا يرون أنهـم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لايتوبون ولاهـم ولاهـم يذكرون).التوبة ١٢٦.
إن مصاب الأمة بهـذا الإنفصام يستدعي التنادي لإعادة الرباط الوثيق بين الدين والسلوك بين العبادات والمعاملات  فالإسلام يقيم من الوازع الديني رقيبًا على الفرد المسلم ملازمًا له بحضور السلطة أو غيابهـا
ومحاسبًاللفرد في كل مايأخذ ويدع.
فهـل من تنادي لإحياء التربية الإيمانية ليحصل الإنسجام الصادق بين الأقوال والأفعال.
فصل الخطاب الموجز لهـذا الباب
١-أن الله يمقت التناقض بين الأقوال والأفعال، والعبادات والمعاملات والدين والسلوك الذي يصبح صاحبهـا مزدوج الشخصية.
٢-قال ابن سعدي-رحمه الله-:(من أكبر المقت عند الله أن يقول العبد مالايفعل).
٣-وقال الطبري-رحمه الله-:(عظم مقتًا وكرهـًا عند ربكم قولكم مالاتفعلون،والمقت أشد الكراهـية).
٤-قال ابن حجر -رحمه الله:(أصل الديانة منحصرة في ثلاث:(القول،والفعل،والنية).فنبه على فساد القول بالكذب،وعلى فساد الفعل بالخيانة ،وعلى فساد النية بالخلف).
٥-وأقول:إن علماء الأمة ورجال الفكر وأهـل الحل والعقد لم يقوموا بما يجب تجاه هـذا الانفصام النكد بين الدين والمعاملة ؛وإنماتصدوا لنتائج هـذاالشرخ الذي ظهـر لهـم على شكل مشكلات وهـي في الحقيقة نتائج للإنفصام وذهـبت الجهـود والأموال أدراج الرياح ؛لأن علاج النتائج تجعل صاحبهـا يدور في حلقة مفرغة،فمشكلة كهـذه تتوالد منهـانتائج متعددة تظهـر للرائي الذي لايعرف أُس المشكلة على أنهـا مشكلة وهـي ليست كذلك،وبالمثال يتضح المقال:
•الفساد نتيجة-المخدرات نتيجة-المظالم بين الزوجين وبين الإخوة والأخوات في الميراث والعضل وجميع الظلم بعمومه-الإنحراف الفكري والعنف والتطرف نتائج للإنفصام النكد وظاهـرة الطلاق والزناواللواط كلهـا نتائج للإنفصام النكد الذي جعل من الدين والعبادات مظاهـر شكلية لاأثر لهـا على السلوك والمعاملة.
والمخرج الوحيد من هـذا الواقع الذي يمقته الله هـو أن يتنادى العلماء المصلحون وأهـل الحل والعقد وقادة الفكر،في حملة لاتضع رحالهـاإلا بعد صياغة مناهـج دراسية جديدة تربوية مشوقة:
١-التربية الإيمانية التي تقيم على الفرد رقيبًا ذاتيًاداخله أعني الوازع الديني(الضمير)يحاسبه بشهـود السلطة وغيابهـا.
٢-التربية الأخلاقية والإسلام دين أخلاقي
٣-التربية السلوكية تستضئ بسيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
٤-التربية الإنضباطية في شتى مناحي النظم والأعراف والقوانين المرعية احترام نابع عن قناعة ذاتية.
٥-التربية العسكرية ليس للتجنيد فقط؛وإنمالإمداد الشركات والمؤسسات والمصانع بشباب مدرب واعي منضبط.
وباجتماع العلماء وقادة الفكر والمربين سوف تتلاقح الأفكار وتتوحد الرؤى والمنطلقات لإنتاج مناهـج علمية تربويةتخرج الأمة من هـذا الإنفصام النكد الذي يجلب مقت الله وغضبه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق